سلامٌ عليكم

أعترفُ بأني أتيتُ هنا, لأنّ هذا المخلوق الصغير المدعوّ كورونا أثار بعض التأملات فيّ, وأنا أطبخ, وأنا أغسل..أتتني العديد من التأملات المذهلة, على الأقل أنا أراها كذلك, ولا أدري إن كنتُ سأنجحُ في إيصالها كما بدت في روعتها حين كانت في خلاياي الرمادية الصغيرة, المهم, أنا الآن في العام 2020, 1441 . في مرحلة العزل العالمية الناتجة إثر أزمة كورونا, كورونا فيروس جديد, مخلوقٌ لم يتعرف عليه الكائنُ البشريّ جيّدا بعد. وهذا ما يُخيفُ الأغلبية منّا, ما سبب الذُعر بين أوساط العلماء, والساسة, والشعب هو أنه مع أننا في عصر انفجار المعلومات, نكادُ من فرطِ ما نملكُ من معلوماتٍ نغرق, نحتار, هل نقرأُ عن هذا أو هذا, هل نتبعُ هذا أو هذا, دخلنا في أعمق أعماقِ وأصغرِ صغارِ الأشياء وأكبرها, عرفنا أسماء البروتينات الصغيرة المتعلقة بشفرتنا الوراثية وماذا تفعلُ تحديدًا, وظائف الخلايا, وظّفنا البكتيريا وجعلنا منها مصانع لمواد نحتاجها ونرغبها كالانسولين مثلا, تلاعبنا في جينات النباتات, الفطريات والخمائر والبكتيريا لننتج سلالات مختلفة لأهدافٍ مختلفة. كلّ هذه الوفرة الغزيرة من المعلومات سببها فضول الإنسان وجنونه, الذي يدفعه لكشف أسرار أدّق الأمور وعظائمها. الأمرُ الذي يحصلُ الآن هو أننا مع هذا كله نقفُ أمام كائن صغيرٍ جدًا, مُتناهٍ في الصغر, لكننا لا نملكُ الكثير من المعلومات حوله, لا يجدُ العلماء أي مصادرِ بحثٍ تملكُ وصفة القضاء عليه وصنع المضاد الحيوي الخاص به..وهذا ما يُثيرُ رعبهم..ربما. البشر يعرفون كيف يقضون على البشر, الحيوانات, النباتات, الحشرات, الكثير الكثير من الفيروسات والبكتيريات, لكنهم لا يعرفون بعدُ كيف يقضون على كورونا..وهذا هو مصدر قوته الكبرى الآن

الجهل..عدوّ الإنسان الأول.

كورونا, أظنّه يجدنا ملاذًا ممتازًا للمعيشة, ولا أدري إن كان يُدركُ أو لا أنّه يُدمرّ خلايانا بهجومه المُستبدّ

لكنني أؤمن بقدرة الله سبحانه التي تتجلى في آية : وفي أنفسكم أفلا تُبصرون.

ما أعنيه, هو أنني أظن أن أجسامنا قادرة على مكافحة هذا الدخيل , وقادرة على إنتاج مضادات حيوية خاصة به..لكنها تحتاجُ لمساعدتنا الصغيرة, كثيرًا ما أتخيلُ خلاياي وهي ترجوني أن لا آكل قطعة الحلوى تلك لأنها تقوم ببعثرة كيانها كليًا, وفي الوقت الذي تحتاجُ فيه أن ترتب وتنظف وتعمل لأجلي يُزاد الحملُ عليها, أتخيلها وهي في حالة الاستنفار تفكر وتحاول في كيف تتخلص من هذه السكريات أو الدهون, أتخيلها وهي تتضور جوعًا لأنني لم آكل ما يُغذيها ويُبقيها قوية, أتخيلها وهي تنتشي فرحًا وامتنانًا لأنني تغذيتُ على ما يقويها, ويجعلها قادرة على أداء وظائفها.

لنتخيل سويًا كرية دمٍ بيضاء خاليةٌ من أيّ سلاح, لأن الموارد في جسمنا ناقصة للدرجة التي لم يتمكن جسمنا من توفير أسلحة لكل الخلايا, كم تحاولُ هذه المسكينة  الدفاع عنّا وكم نتخلى عنها بجهلنا ؟!

أسلحة هذه الخلايا هي الفيتامينات والمعادن, الماء, الطعام الصحي ليس وقودًا يُبقى أجسامنا متحركة فقط.. إنه المواد التي تصنع منها خلايانا الأسلحة لخلايا الجهاز المناعي, المواد التي تمنحُ كريات الدم الحمراء أرجُلا قوية تجعلها تقطعُ الأميال في جسمنا مُحمّلة بالأكسجين والفضلات بكل سهولةٍ ويُسر..

 

أنا أعلمُ أنني لا أساعدُ جسمي بين فترةٍ وأخرى, لكنّي أرى الموضوع يستحقُ التأمل والاهتمام.. لم أكُن حقيقة أفكرُ هكذا من قبل, لكنني بعدما شاهدتُ ما تقوم به الخلية بأمر الله لأجلنا, بعدما عرفتُ عالم الخلية وكم تبدو الخلية الواحدةُ منا مُشابهة بشكلٍ كبير الأرض التي نمشي عليها, فيها العديد من المصانع, العُمّال, المُنتجات, إعجازٌ سبحان من سوّاه !

بالحديث عن الطعام, الكثيرُ من الناس بمُجردِ إدراكِ أن هناك جانحةٌ قد تؤخرُ سير الإنتاج لفترة غير معلومة, الكثيرُ سعى لتأمين الأرز والخبز والمكرونة والبطاطس واللحم وجميع أنواع الأطعمة. هذه النعمة الصغيرة التي لم أكُن أنا على الأقل أستشعرها, نعمةُ أنّ الأشياء موجودة في السوق, ومتى ما احتجتُ ذهبتُ لشرائها. كنتُ أدركُ نعمة أني أملكُ المال لشراء هذه الأشياء, لكنني لم أتفكر كثيرًا في نعمة وجودها أساسًا.

هذا الأمر جعلني أفكرُ في أجدادنا الذين كانت الزراعة مصدر معيشتهم, وكان طعامهم الذي يقتاتون عليه موجودٌ في ساحة دارهم الخلفية, لو أننا احتجنا الأمر هذا مُجددًا, هل نملكُ خبرات الأجداد في الزراعة؟

 

كورونا كان يحملُ في أياديه الصغيرة رسالةً لي, أثناء هجومه الذي بعثر العالم أجمع, أخبرتني هذه الرسالة أنّه لا مغزى من الحجم, لا يُهمّ كم كنت صغيرًا, مُستضعفًا.. غير مرئي, جميعنا يملكُ ذات التأثير الذي يجعلهُ قادرًا على تغيير العالم. أنا لأكُن صادقة لا أفكرُ أن أجول العالم طبعًا كالفيروس بهدف تغيير العالم ولا أظنّ أن هذا بإمكاني حتى, لكن كفيروس كورونا نحن نمتلكُ التأثير على دائرتنا الصغيرة ليس بمرض طبعًا, بل بكلماتنا مثلاً , بأفعالنا وجهدنا. وهذه الدائرة الصغيرة تؤثر على دائرة أكبر..وهكذا.

يضعُ الله سبحانه القوة في أضعف الخلق وأصغرهم وقد يكون هذا حتى لا يغترّ القوي بقوته, ولا يُحبط الضعيف بضعفه..الأشخاصُ الذي أحدثوا أثرًا كبيرًا في العالم هُم أشخاصٌ مثلي ومثلك, نفسُ العقل والجسم, لكنّ الاختلاف ربما في التوجه, من يملكُ شغفًا تجاه أمرٍ مُعيّن يُصبح بشكلٍ غير مباشرٍ ربما أو مباشر.. شخصًا مؤثرا. لا أظن أنّ علينا أن نجعل كوننا مؤثرين هو الهدف المرغوب, لكن أظن أنّ الاستمرار في الشغف, التطوير, وتحمل مسؤلية أفعالنا لأنها قد تؤثر على العالم أجمع..هو الهدف. لا أظن أن هدف كورونا كان أن يوقف المساجد,المدارس, الطيران, يُقلل الاختلاط ويؤدي للجميع إلى الحرص على العزلة..هدفهُ بسيط جدًا, أن يُهاجم رئتنا. لكنه بفعله هذا فعل كلّ ما فعل. هل مرّت عليكم نظرية الفُستق؟ ربما فيما أقول وفيها بعضُ الترابط..ليس كليًّا, أدركُ هذا.

العلماء والأطباء هُم جيشُ الدّول الآن, أجدُ هذا أخّاذًا جدًا.

 

حسنًا, هذا يكفي..أعلمُ تمامًا كم أصبح كورونا مُحتلاً صدارة الأخبار, المقالات, كلّ شيء, والحقيقة أنّي تعبتُ من أنني حيثُ توجهت واجهتُ موضوعًا عن كورونا, أعي تمامًا أنه أمرٌ جاد ولا مشكلة طبعًا عندي أنه حديث العصر لأنّه حديث العصر, لكنني الآن بحديثي عنه أصبحتُ أنا الأخرى مصدرًا مُتحدثًا عن كورونا. لكنها كما أسلفتُ, مجرّد تأملاتٍ وردتني وأنا أغسل أو أطبخ “وكأنّ حياتي تدور بين الغسل والطبخ فقط”.

 

نسأل الله اللطف والمغفرة والمعافاة في الدنيا والآخرة وأن يرفع عنّا هذا البلاء ويرحمنا برحمته, إنه وحده سبحانه وليّ هذا والقادرُ عليه.

Posted by:molarya

.ig-b- { display: inline-block; } .ig-b- img { visibility: hidden; } .ig-b-:hover { background-position: 0 -60px; } .ig-b-:active { background-position: 0

3 آراء حول “تأملات حول كورونا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s