سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته
عامٌ جديد، وبداياتٌ مباركة بإذن الله وفضله
ولأني أحببتُ أن أوليَ هواية القراءة أهميّةً أكبر في حياتي؛ فقد سجلتُ في السنةِ الفائتة في ناديين للقراءة، نادي فلك ونادي حظوة
نادي فلك كان أسبوعيًا، وأنهى دورتهُ للسنةِ الماضية بلقاءٍ غنيّ مع الدكتور سعود الشمّري (إن لم تخنّي الذاكرة في اسمه)
أحبّ أن أشارك مقتطفاتٍ منه في تدوينةٍ أخرى بإذن الله
أما نادي حظوة فهو نادي شهري، حيث نقرأ كتابًا واحدًا كلّ شهر، وكان يوم الأربعاء ١٥ رجب/يناير، موعد مناقشة الكتاب الثاني لهذه السنة: هكذا ربانا جدّي
ولأنّ هذا اليوم كان مميزًا وجميلًا أحببتُ أن أتكلم عنه الآن، وأوثق بعضًا من لحظاتهِ الجميلة، ورأيي في الكتاب أيضًا
في الحقيقة، أريدُ أن أتكلم عن ٣ كتب، وقد تكون ٤ بشكلٍ غيرِ مباشر
وسأبدأُ بأوّل كتاب، والذي قرأته مع نادي فلك وكان آخر كتاب لدورتهم في عام ٢٠٢٤

شجرتي شجرة البرتقال
أخشى ما كنتُ أخشاه هو أن يملأ جوزيه ماورو الرواية بالصورِ الحيّة والخيالات المتشعبة (رغم جماليتها) فأتوه قليلاً مثلما حدث معي في روايته “روزينها زورقي الصغير”
والتي جعلتني لا أجرؤ لفترةٍ طويلة على قراءة رواياته الأخرى خشية أن أُكابد نفس المشّقة
وحقيقةً لم يخطر ببالي أيّ حماسٍ لهذه الرواية رغم أنني أميلُ لأي كتاب يتحدثُ عن الأشجار، لولا إرادة الله سبحانه في أن أشترك مع نادي فلك والذي كان في آخر دورة له يناقش هذه الرواية، فقرأتها لأكون مع الأعضاء في المناقشة، وسعدتُ صدقًا أنني فعلت
تتحدثُ الرواية عن زيزا، وخياله الواسع وفضوله الغض البريء، شاهدتُ زيزا أمامي مرّاتٍ كثيرة وكدُت أضربهُ على مؤخرته مرات وأضحكُ منهُ وأبكي له في مراتٍ أخرى
استطاع جوزيه أن يدخلني في عالم زيزا بسلاسة، فأشاهد غصن شجرة البرتقال وهو يحدّث زيزا، وأودّع عصفوره معه، وألعب مع أخيه الصغير وأصنع الكريات مع أخيه الكبير وأستشعر مشاعره البريئة الممزوجة بشقاوته في عدة مواقف، ولا أُخفي أنني لفرطِ خيال هذا الولد كدتُ أحسبُ أنّ صديقه البرتغالي خيالٌ أيضًا
زيزا كان ماهرًا في الاستمتاع بوقتهِ ولو كان بمفرده، ولو كانَ مُجرّدًا، و
رغم أني كنتُ أخافُ عليه من جلبه الضرر أو المشاكل لنفسه إلا أنه بحقّ شخصية طفل ممتعة، دائمًا ما كان يُحيطُ نفسهُ بمغامراتٍ جديدة جعلتني أشعرُ أن الحياة معه ممتلئة.
مما لفتني حالة الفقر التي كان يتكلمُ بها زيزا عن عائلته ووضعه ثم يتحدث عن شجرة المانجو والكاجو والبرتقال في بيتهم الجديد، كان هذا غريبًا عليّ حيثُ أنني لا أعلمُ عن الثقافة البرازيلية وفكرتهم عن الفقر شيئًا، أم أنّ تلك الأشجار لم تكن مثمرة ؟ أم أنّ نموّ الأشجار في حديقة المنزل لا علاقة له بدخل العائلة ؟
الحوار كان شبه منعدمٍ بين أمّ زيزا وأبيه، ولا أدري هل لأنّ هذا الأمر هو ما كان في الحقيقة أم أنّهُ جانبٌ لم يُرد الكاتب أن يتطرق إليه، لكنّه تطرق إلى أنّ الأم كانت تقضي معظم وقتها في العمل، واستشعرتُ أن أخته الكبرى هي من كانت تقوم بمهامّ ترتيبه
بالنسبةِ لصاحبه البرتغالي فهو مما أثار تعجبّي وتوجّسي، فكنتُ أفكّرُ كيف لزيزا أن يغيب هذا الوقت كلّه ولا يعلمُ أهلهُ عنه شيئًا
وكنتُ أتوجّسُ أن يكون هذا البرتغاليّ خيالًا أو شخصًا سيئًا في نهايةِ الأمر و شعرتُ كأنني الوصيّةُ على زيزا في غيابِ أهله، وحقيقةً لم أكن أتوقع نهايةً كتلك لصاحبه، ولكني أرى أنها كانت في مصلحةِ الكاتب وزيزا بعض الشيء
ولا أدري لمَ كنتُ أتخيلُ زيزا طفلًا يحملُ ملامح هندية كوالدته، ثم أدركتُ أنّه كان أشقر الشعر أبيض البشرة، ولستُ أدري هل هذا لأصوله البرازيليه أم أن هناكَ عرقًا دساسًا
روايةٌ خفيفة، قد يُعجبني أن أقرأ منها مرةً أخرى يومًا ما لا لأنها مليئة بالاقتباسات والحكم، ولكن لأنها مليئة ببراءة زيزا وفضوله المفعم بالحياة تجاه الأشياء

مثلما ذكرتُ آنفًا، كنتُ قد اشتريتُ قبل حوالي أربع سنواتٍ روايتين من روايات جوزيه ماورو، إحداهنّ كانت “روزينها، زورقي الصغير” والتي سأوردُ خواطري عنها تاليًا وهي أوّل ما قرأت، ورغم جماليةَ التصوير فيها إلا أنني أذكرُ شعوري بالملل في بعضِ أجزائها ورغبتي العارمة بالانتقال للجزء التالي،
ولا أنكرُ أنني رغم ذلك حاولتُ بعدَ إنهائها أن أقرأ هذه الرواية “هيا نوقظ الشمس” لكنّي لم أستطع إكمالها..ذلكَ أنّي لم أكُن أدركُ أنها جزءٌ من قصّة زيزا
الأمرُ الذي دفعني للعودةِ لها بعد أن قرأتُ “شجرتي شجرة البرتقال الرائعة”
وهنا أدركتُ متعة هذه الرواية، واندمجتُ معها بشكلٍ كامل
تحكي هذه الرواية عن زيزا الأكبر، والذي تبنتهُ عائلة ثريّة ليدرس ويُعامل كما يُعامل أبناءُ الأثرياء حتّى يستطيع مساعدة أهله فيما بعد
يحكي زيزا عن مشاعرهِ تجاه عائلته الجديدة، عدمِ انسجامهِ بشكلٍ قويٍّ مع والده، ومع دروسِ البيانو التي كانت عبئًا كبيرًا عليه مع أنّه استمتع بشكلٍ كبيرٍ في العزف عندما عزف برغبتهِ هو، الأمر الذي لم يدُم طويلًا
ولأنّ زيزا كبُر، فقدَ تخيّل صديقًا جديدًا رآهُ علجومًا أكلَ قلبه وحلّ محلّه والذي اتضحَ لي من سياقِ الأحاديث التي دارت بينهما أنه ضميرُ زيزا، أو صمّامُ الأمانِ الذي يحدّ الإنسان من الإقدام على الأمورِ الخطيرة والغبيّة
وفي الوقتِ نفسهِ كبُرت مغامراتُ زيزا، فأصبحت أشدّ خطورةً وأكثر إثارة.
جرّب زيزا الحُب، وكانَ ملهمُه ومعلّمهُ والده الممثل موريس، والذي اكتشفه عندما هرب خلسةً لمشاهدةِ فلمِ رومنسيّ فأصبحَ بطلُ الفيلم (موريس) والدَ زيزا الذي يعوّض بتخيلاتهِ معه النقص الذي يشعرُ به من ناحيةِ والدهِ المُتبنّى
جرّب زيزا السباحةَ بين أسماكِ القرش
جرّب نشرَ الشائعات الخطيرة
جرّب الاستهتار بالراهباتِ المتعبداتِ في الكنيسة
وجرّب سرقة الثمار اللذيذة من الجارةِ التي تملكُ كلبًا مُخيفًا
في كلّ تجربةٍ يحكيها، أجدني كعادتي معه أُشدُّ لأعرفَ ما حلّ في نهايتها، وأجدني أتعجبُ منه مرةً، و أضحكُ منه في أخرى، أحزنُ لأجلهِ مرةً، وأمتعضُ منهُ في أخرى
روايةٌ ممتعة جدًا، شرط قراءةِ الجزء الأول “شجرتي شجرة البرتقال الرائعة” حتى تندمج بشكلٍ كامل مع شخصية زيزا المهووسة بالخيال .

هذه رواية روزينها زورقي الصغير التي تكلمتُ عنها
وهذا اقتباسي لما كتبته عنها قبل ٣ سنوات
قبل يومين أو ثلاثة أنهيتُ هذهِ الرواية، بدا لي من غلافها وتصفّح بعض أوراقها أنها مثل شيء كنتُ أريدُ قرائته..
منذ فترةٍ طويلة لم أقرأ رواية مكتوبة، وكنتُ أستثقلُ شراء الروايات لأنني من النوع الذي يقرأ الروايات مرّة واحدة ومن ثمّ تأخذ حيّزًا في مكتبتي..لكنني شعرتُ بالحاجة الملحّة في آخر زيارة لي لجرير إلى شراء بعضِ الروايات، وكان زورق روزينها الصغير أحدها
الرواية مليئة بالحياة..حرفيًا، أصوات المياه وحفيف الأشجار، رائحة الطين ونسيم النهر ..سحرُ الليل وإشراق الصباح
مليئة بالأسماء، التي لم أفهم صدقًا هل هي أماكنُ في الأمازون أو في الهند .. أو أن الأمازون يمرّ بالهند ؟؟
الرواية تتمحورُ على زورقٍ عجيب يستطيع الحديث مع شخصٍ واحد فقط (زي اوروكو)، زي اوروكو المتشبّع بالطبيعة. يعيش وحيدًا في كوخ خشبي، يُدافع عن العصافير ، يعرفُ متى ستمطرُ السماء ومتى ستصبحُ صافية، يتسامرُ مع الزورق ويتبادلان الحكايا، ينقلُ المسافرين ويظنّه الناس مجنونًا لانتشار شائعة حديثه مع الزورق.
واجهتُ صعوبة في البداية لأندمج معها، ولأفهم أحداثها
ووجدتها من الروايات التي عليك أن تفرّغ وقتًا ومكانًا هادئين وذهنًا صافيًا لها حتى تتشرب جمالها
تحتوي الكثير من الحوارات الممتعة والأوصاف الدقيقة
وجدتُ بعض الحكايات التي يحكيها الزورق مثل حكاية الشجرة جميلة جدًا
وحكاية التمساح كانت مؤثرة بالنسبة لي
حوار شيكو دي أديوس مع الطبيب عن مرضهِ،
وسجنُ زي اوروكو ووصف مشاعرهِ كان مكتوبًا بحنكةٍ جعلتني أعيشُ بعمق ما شعروا به.
(الشجرة شجرة لا أكثر!)
وفي المُقابل وجدتُ القليل من الحكايات و الحوارات رتيبةً تدفعني للانتهاء منها بسرعة .حجم الرواية ٣٢٥ صفحة
تقييمي لها ٧.٥/١٠

هذا الكتاب الرائع كانَ كتابَ شهرِ رجب/يناير لنادي حظوة، وهو عبارة عن مدرسةٍ شاملةٍ في التربية
كتابٌ خفيف ظريف، على لسانِ عابدة العظم، حفيدة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.
يتميز بسلاسة الأسلوب وفصاحة اللغة ولمستُ بشكلٍ كبير تأثيرَ تربيةِ الشيخ رحمهُ الله على حفيدته حتى أنها شابهت في سردِ الكتاب سردهُ السهل الممتنع (برأيي)
يتجزأ الكتاب لعدّة فصول يحكي كلّ فصلٍ منها عن موضوعٍ خاصّ في التربية ويندرجُ تحت كلّ فصلٍ موضوعين أو ثلاثة
ومن أوّل الكتابِ لآخره لقيتُ بأنه زاخرٌ بالمواقفِ العديدة، التي أضفت عُمقًا واتّصالًا بالكتاب، حيثُ أنني وجدتُني أراجعُ نفسي في عدةِ مواقف وأُسقطها على ما يشبهها من مواقفَ في حياتي
ووجدتُ أنّ في هذا الكتابِ فوائدًا لا تقفُ عند تربيةِ الأطفالِ وحسب، بل تمتدُ إلى تربيةِ النّفس، فأحببتُ أن أرى نفسي وأنا أتمثّلُ ببعضِ النواحي الشخصيةِ للشيخ، مثل شغفهِ بالقراءةِ والتزامهِ بالمواعيد، واهتمامهِ بالصحة، والأهم التفاتهُ للأحفادِ واهتمامه الجميل بتربيتهم
شدّتني العديدُ من النقاط في هذا الكتاب حتى أنني أخشى أن أفوّت بعضًا منها إن ذكرتُ البعض
ومن جهةٍ أخرى تأملتُ في بعضِ المواقفِ وشعرتُ أنها قد تكونُ مُتقبّلةً من شيخٍ مربّي جليل مثل الشيخ رحمهُ الله لكنها لن تكونَ مُتقبّلةً من عوّامِ الناس مثلي أنا
وضّح لي الكتاب كيف أنّ التربيةَ تأتي بشكلٍ متكاملٍ من عدّةِ نواحي، وكيف أنها منافيةٌ تمامًا للأمرِ والنهي بالطريقةِ الساديّة، بل محوطةٌ بالحبّ والحنان والصدق، حيث أنّ الشيخ كان متخلّقًا بكل الصفاتِ والأخلاقِ التي كان يزرعها في بناته وأحفاده
أثناءَ نقاشنا في النادي لفتتني نُقطة أنّ التربيةَ شاملةٌ واسعة، وأنّ ما قد تراهُ صائبًا يراهُ الآخرون غير ذلك “ولربما رأوهُ تزمتًّا أو انحلالًا”
ولهذا تأكدتُ بأنّ موضوع التربيةِ ليس أمرًا سهلًا، بل يحتاجُ إلى بحثٍ متصلٍّ بالدعاءِ والتجربة، نسألُ الله حسُن النيّة والذريّة والتوفيق والسداد في العلمِ والعمل
الكتابُ من وجهةِ نظري ليسَ موجهًّا للآباءِ والأمهّاتِ فقط، بل يُمكنُ إهدائهُ للأجداد، وللشباب الأعزب كذلك
ولأنني ذكرتُ في بدايةِ التدوينةِ رغبتي في توثيقِ أجواءِ مناقشةِ هذا الكتاب الجميلة مع نادي حظوة، وكانَ هذا قبل توثيقي لها في برنامجِ “انستقرام”، فلا أجدُ فائدةً من التكرارِ هنا 🫢، لكنّي أحثّكم لحظور تغطيةِ يوم المناقشة الخياليّ في قّصةِ انستقرامي تحت هايلايت (قراءة)

إلى هُنا أكونُ بحمدِ الله قد أنهيتُ حديثي عن الثلاثةِ كُتب (أو الأربعة)
إذا كنت قد قرأت أحدًا منها فشاركيني، أعلمُ أنّي سأسعدُ بذلك🪻
شكرًا لوقتكم ⭐️

