سلامٌ عليكم
قبل شهرٍ من الآن..انتهى اشتراكي المدفوع لباقة المدونة والذي دامَ مدة سنتين
والمضحكُ في الأمر أنه قبل سنةٍ من ذلك.. بدأت المدونة تسحب مبلغًا شهريًا خلته أنا أن اشتراكي قد انتهى وهذا مبلغ التجديد الذي أصبح يؤخذ شهريًا لأني لم أدفعه مرة واحدة عن السنتين ..والأمرُ الذي استوعبته فيما بعد.. أن هذا الاشتراك الشهري كان لبرنامجٍ آخر, حدّثت اشتراكي فيه لمدة شهر ثم نسيتُ أمره, ولأن اسم البرنامج يشبه كثيرًا اسم وردبريس لكنه ليس وردبريس ..فقد اشتبكتِ الأمور عليّ.. الأمر الذي جعلني أدفع لمدة 8 شهور لبرنامجٍ لم أستعمله منذ ذلك الحين ..حسنًا أعترف أنه أمرٌ مُبكٍ وليس مضحك..لكن لا فائدة من البكاء..ولا من الضحكِ أيضًا ..الفائدة يا أعزائي هي أن تقرؤوا جيدًا أسماء اشتراكاتكم, ولا تعتمدوا بشكلٍ كليّ على العقل الباطن في قراءة الاسم
المهم.. جددتُ اشتراكي هنا ولله الحمد , وألغيتُ اشتراكي من ذلك البرنامج أيضًا وأنا الآن هنا حائرة فيم يجب عليّ الكتابة الآن ؟
الفترة الأخيرة لي أشبه بصورةٍ ضبابية كبيرة, لفرطِ ما تأملتها غصتُ فيها وضعتُ, وأنا أعلمُ أنني يومًا سوف أجدُ طريق العودة وأعود
لكنني لا أدري ما سأفقدُ في رحلة التيهِ هذه.. شغفًا أو اثنين ؟ حلمًا أو حلمين ؟ ما أدركهُ أن الوقت يمضي.. وأنني بكلّ تاكيد أفقدُ هذا الوقت..وأنني أرجو ألّا أفقد أكثر من ذلك, الوقتُ على أيّة حال يبقى خسارة فادحة
ولربما لستُ وحدي ..لربما الصورةُ الضبابية هذه موجودةٌ عند كل شخص, في مرحلة ما من حياته تمتصهُ الصورة ..تعلكهُ قليلًا أو كثيرًا ثم تلفظه
حسنًا أظنني عرفتُ عمّا سأكتب ..
ذلك أنني في يومين مختلفين ذهبتُ إلى مكانين مختلفين وراودتني فيهما العديدُ من المشاعر التي أذكرُ أنني قررتُ الكتابة عنها لكني لم أفعل حينها
اليوم الأول كان لفعالية البستنة باتحاد النادي السعودي مع متطوعي حديقة البوتنكيال قاردن( بالمناسبة للآن لا أعرف هل هي بوتنكيال أو بوتنشيال)
وبسبب حبي للنباتات, وتجربتي المتواضعة للزراعة ذهبت..وصلتُ للفاعلية متأخرة ربع ساعة تقريبًا, وبحثتُ عن الأعضاء وسألتُ واتضح لي في النهاية أنني العضو الوحيد الذي امتلأ بالحماس لهذه الفعالية اللطيفة, التقيتُ ب Sue المسؤلة الرسمية عن الأعضاء لذلك اليوم, والتي عرفتُ انها تعملُ في مجال البستنة هذا منذُ 15 سنة أو 25 ؟ والتي اتضح لي أيضًا أنها لا تعلمُ تمامًا ما الذي يجبُ عليّ فعله ..
:ربما يمكنك المساعدة في إزالة الأعشاب الضارّة ؟ سألتني
: طبعًا ..why not ?! فقد تركتُ مواعيني وبيتي وحديقتي لأشذّب هذه الحديقة
كنتُ أظنّ الفعالية عبارة عن مقدمة صغيرة في البستنة, نتعلم الأساسيات ونطبّق..لكنها كانت فعالية تطوعية حرفيًا .. بالطبع قررتُ أنني لن أخرج منها بدون فائدةٍ تُذكر والفائدة الأولى أنني خرجتُ في جوٍ جميلٍ جدًا جدًا ..نسمات هواء خفيفة, القليل من الندى..والطبيعة الساحرة في الحديقة ..
ثانيها أنني تكلمتُ أثناء العمل مع “سو” وحدثتها عن محاولاتي البائسة لزراعة النعناع والريحان والورقيات عامة والتي لم تفلح معي مع معرفتي بأن النعناع مثلا من الورقيات التي تستعمر وتنتشر بسرعة, وعرفتُ منها أن السبب قد يعود لأن تربتي رطبة جدا, في حين أن الورقيات تحتاج تربة بها بعض الهواء
ثالثها أنني أشغلتُ خيالي قليلًا, وتخليتُ مسألة اقتلاع الأعشاب الضارة من التربة مثل اقتلاع الأشياء السلبية من حياتنا , ودائمًا دائمًا إن لم نقتلع الأعشاب الضارة (والأمور السلبية أيضًا ) من جذورها ستعود لتنمو من جديد..بشكلٍ أوسع
رابعها أنني عرفتُ أنه مرة في كل شهر يأتي شخص (ليس بالشرط شخص مشهور) ويتحدث عن مزرعته وتجربته فيها ..وأنهم يكتبون عن هذا الحدث في موقعهم إن أردتُ الحضور يومًا ..الأمرُ الذي تحمستُ له حينها..لكنني في الصورة الضبابية الآن كما تعلمون ..
كان العملُ يتطلبُ قفّازًا وأداةً بسيطة لاقتلاع النبتة من جذورها, ما أعطتني ايّاه المسؤلة كان مجرّد الأداة هذه من دون القفّاز, الأمر الذي لم يضايقني كثيرًا, اشتغلتُ وأمسكتُ بالتربة بيدي وفي لحظةٍ قصيرةٍ جدًا تسائلتُ بيني وبين نفسي, هل الأمرُ فعلاً أن عدم استعمال القفاز لا يضايقني أم أنني خجلتُ من سؤالها أن تعطيني واحدًا ؟ كان بإمكاني أن أطلبها, وأعرفُ جيدًا أني لم أكن لأخجل من أن أطلبها أن تعطيني قفازًا, وأعلمُ أني في حديقة بيتي أستعملُ القفاز ..لكني لا أعلمُ حقيقة دوافعي النفسية التي جعلتني أؤثر الاستمتاع “أو الاقتناع بأني مستمتعة بالاتصال مع الطبيعة ومع مادتنا الأساسية” باللعب في التربة واقتلاع النباتات الضارّة بيديّ العاريتين ..الأمرُ الذي يدفعني للتفكير أننا قد نمضي في القليل من الأمور بدون دوافع حقيقة واضحة ..قلتُ القليل,لأن جعل هذا الأسلوب ديدنًا قد يكون مشكلة برأيي .

اليوم الثاني عن أول يومٍ لرزاني في الحضانة ..
نظام التسجيل في الحضانة هنا بعد أن توافق المدرسة على تسجيلها أحضر معها في أول يوم لمدة ساعة, وأجلس معها داخل الحضانة طول تلك الساعة التي تستكشفُ هي فيها المكان ثمّ نعودُ سويّة للبيت ..
وفي اليوم الثاني أتركها وأذهب لمدة ساعتين ثم أعود لآخذها..
بعد ذلك, إذا كان اندماجها مناسبًا تبدأ أيامها المعتادة من الأسبوع الثاني
وحديثي الآن عن تلك الساعة فقط التي حضرتها معها في الحضانة, حيث أنني تأملتُ وشدّني فيها العديد من الأمور, شخصيات الأطفال وفكرة العمل معهم
أحد الأطفال كان جليًّا أنه يسعى لجلبِ الانتباه ..ولأول مرةٍ أرى تصرفات جلبِ الانتباه الطفولية واضحةً جدًا أمامي
كانَ فجأة يدفع صندوق الألعاب بشدّة لتسقط كلّ الألعاب منه ..يقفز ويصرخ ويبكي, يذهب عند الكمبيوتر الرئيسي ويحاول اللعب فيه يقوم بقطع الطريق للقطار الذي يلعب فيه أصدقاؤه وكلّ هذا يقوم به حين انشغال أحد المدرسّتين عنه
طفلة أخرى تبكي بشدّة ..لم يكن السبب واضحًا, هل كانت متعبة ؟ أو تريد أحد أبويها أو كلاهما؟ في حين كانت أحد المدرستين معها والمدرسة الأخرى مع الطفل الذي يطلب الانتباه ..طفلٌ آخر احتاج إلى دورة المياه ..لكن الوقت لم يسعفه فاضطرت أحد المدرستين لتغيير ملابسه
بعد ذلك عادت إليّ..لتعبئة أوراق رسمية يجب علينا القيام بها, وفي أثناء ذلك تأتيها طفلة تفضفض عن مشاعرها بأنها تشتاق لوالدها
رزان من جهة أخرى كانت تجول وتصول في المكان كأنه جنة ..المكان مليءٌ بالألعاب, مطبخ, مواعين, مكعبات, قطار, ألعاب خشبية, وجوالات حقيقية للعب وركن للعب بالماء فيه وعاء كبير ودلوين وألعاب للماء ..
وفي وقتٍ ما جاء وقت “السناك” حيث يقدمون للأطفال الحليب, ومجموعة فواكه وخضار..تفاح وجزر..جلست رزان على طاولة الطعام مع أصدقائها مستمتعة بكلّ لحظة لها في المدرسة ..هذا المكان الذي كانت تذهبُ إليه أختها كلّ يوم , وكانت توصلها منه أو إليه بعض الأيام ..هي الآن تستمتعُ بكونها جزءً منه, وأنها كأختها يستلزمها البقاء فيه بدل مهمة الإيصال والعودة للمنزل
انتهى الوقت عندما كانت رزان عند ركن اللعب بالماء..لبست مريلة وبدأت باللعب, وشاركها الركن ذاك الطفل الذي كان يجلب الانتباه في البداية ..وكانت المدرّسة معهم
سمعتُ رزان تشتكي للمدرسة, أن الولد يأخذ الدلو الأخضر منها, تكلمت المدرسة بلطف مع الولد الذي أخذ الدلو الأخضر من رزان وبدا أنه غير مستعدٍ للتنازل عنه, قامت المدرسة بإعطاء رزان الدلو الأصفر والذي كان موجودًا أمام الولد..الأمرُ الذي رحبت به رزان وبدأت في اللعب مرة أخرى ..ومرّة أخرى شهدتُ الولد في نفس الوقت يترك الدلو الأخضر ويأخذ الأصفر من رزان التي استاءت مرة أخرى والتي قامت المدرسة بإعطائها الدلو الأخضر هذه المرة ..وحمدًا لله أنّ المدرسة اُستدعيت للقيام بمهمة ما بعيدًا فوقفت بجانب رزان, وحين ترك الولد الدلو الأصفر مرة أخرى ومدّ يده ليأخذ الدلو الأخضر من رزان أمسكتُ بالدلو بقوة وأخبرته بلطف وحزم ” لا ” وأعطيته الدلو الأصفر الذي تركه, وأخبرته “هذا لك, وهذا لها ” الأمر الذي لم يعارضه بعد أن شهد المقاومة في الاحتفاظ بالدلو وبدأ يلعب مرة أخرى بدلوه الأصفر ..
هل كان تصرفي صحيحًا ؟ ما أدركه جيّدًا أنني لم أكن لأرى ما يحدث دون أن أفعلَ شيئًا و أيضًا أدركُ أنني “مع أنني أقدّر التساهل إن لم يكن هناك ما يؤذي أحدًا ” إلا أنه عند نقطةٍ ما ..سأرغب أن يتعامل أحدهم بلطف وحزم لو صدر هذا التصرف من أحدِ ابنتيّ تجاه طفلٍ أضعف منهما
خرجنا من الحضانة بعد انتهاء الساعة, الوقت الذي لم يكُن كافيًا أبدًا لرزان, والتي استمرت بالبكاء طوال طريق العودة بالرغمِ من تهدئتي لها وتحدثي معها.. الأمرُ الذي قد يشهدهُ أحدهم من خارجِ الإطار .. قد يحدث أن تمشي يومًا, أو تجلس يومًا..وتشهد مشهد طفلٍ يبكي بقوّة مع أحدِ والديه ..وقد تتسائل في نفسك : لماذا ؟ ها أنا الآن أُعطيكم أحد الأسباب : كان يريد أن يقضي وقتًا أكثر من المسموح في اللعب .
رضيت رزان بعد ذلك بأن نشتري الاسكريم الذي تختاره هي لا أنا مقابل خروجها السريع من حضانتها
أما أنا فعدتُ لأتذكر تلك الساعة المليئة الصاخبة, واستشعرتُ أهميّة أن يكون لوظيفة مدرسّي الحضانات ورياض الأطفال طولة بال عظيييمة وحبّ للأطفال يؤهلهم للبقاء في هذه الوظيفة دون أن يفقدوا عقولهم
وصلتني رسالة بريدية من “حكاية طويلة” قررت قراءتها لأنها اختارت ان ترسل لي وتضعني في قائمتها البريدية. ربما انا التي اخترت! لا يهم لكن أشعر أن قراءتي لما يكتب شخص ما هو تعبير عن الاهتمام والمساندة وتعبير عن القرب. ربما ما يجمعني بصاحبة الحكاية الطويلة هو حب الكتابة والتدوين وإن لم يكن فيها ما يستحق الذكر عند معظم الناس. قررت القراءة لأني أحب أن يقرأ أحد ما أفكاري ويشاركني يومياتي التي اخترت أن أسطرها للذكرى. قرأت لصاحبة الحكاية الكويلة لأني أمر بوقت أحتاج فيه من يسمعني بقرب.. وسأكون المستمع القريب لمن يحتاج ذلك.
التعليق المهم هو أني استمتعت بالجولة الخيالية في حضانة رزونة حفظها الله لك وأقر بها عينك.